<

القصة المبهرة لصعود وسقوط إليزابيث هولمز، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ثيرانوس، تكشف عن دور المتغيرات الحالية في مجال الإعلام -خاصةً في الأوساط التقنية- وأثر هذه التغييرات على العلاقة بين الإعلام والعلاقات العامة.

تبدأ القصة حين طرحت إليزابيث رؤية جريئة قد تغيّر مجال التشخيص الطبي المتعارف عليه، وهي رؤية أملت معها أن تحقق شركتها ثيرانوس نجاحًا باهرًا؛ فقد ابتكرت طريقة يُمكن بها استخلاص ٢٠٠ نتيجة طبية من قطرة دم واحدة بعد وخز الإصبع بديلًا عن إبرة الوريد، بتكلفة منخفضة جدًا؛ ما أشعل شرارة الاحتفاء بها وبابتكارها الثوريّ في وسائل الإعلام آنذاك، وقد تحدثت عن قصتها معظم المجلات الرائدة كنيويورك تايمز، وفورتشن، وفوربس.

استمر هذا النجاح حتى نُشر تحقيق أجراه مراسل صحيفة (وول ستريت جورنال الأمريكية)، جون كاريو، والذي أثبت فيه أن تحليلات شركة إليزابيث معيبة، وغير دقيقة، سانده في ذلك صديق مقرب من أسرة هولمز هو ريتشارد فويز.

وبدأت سلسلة الانهيارات تتوالى، إذ كانت سلسلة “والجرينز” الشهيرة -ثاني أكبر سلسلة صيدليات في الولايات المتحدة- قد دخلت في صفقة بقيمة 140 مليون دولار مع ثيرانوس من أجل توفير أجهزة اختراع ثيرانوس حصريًّا في فروعها في عام 2012. وقد رفض المسؤولون فيها ابتداءً ما قيل عن المخاوف المتعلقة بهذه الشراكة، على الرغم من إدراكهم للادعاءات المشبوهة التي تلاحق هولمز وشركتها.

لكن والجرينز سرعان ما نأت بنفسها عن ثيرانوس وهولمز في 2015 بعد نشر تحقيق وول ستريت جورنال، كما تعطلت صفقة أخرى بين ثيرانوس وسيفواي (Safeway) بقيمة تقدّر بـ350 مليون دولار؛ بسبب القلق المتزايد لدى المدراء التنفيذيين في سيفواي بشأن تقنية وخز الإصبع، ومدى دقة اختبارات الدم التي قدمتها هولمز.

كيف سقطت هولمز؟ وأين كان الخلل الذي أودى بنجاح حملة إعلامية بدأت ناجحة؛ فتهاوت؟

تجيب الطريقة التي اعتمدتها حملة العلاقات العامة لإنجاح هولمز عن سبب سقوطها المدوي، وهي في ذاتها درس مهم يذكّر بخطورة التركيز على استراتيجية التسويق الطنّان وإهمال السرديّة الناجحة، إذ ركزت الحملات على شخصيتها أو صورتها الإعلامية وليس على الحقائق العلمية؛ بسبب ضعف اليقظة الإعلامية، ورغبتهم في تقديم أنموذج أنثوي ناجح؛ وهذا ما أضعف استراتيجية النجاح في حملات العلاقات العامة، والتي تنص على سرد رواية، أو قصة قوية، ومقنعة، تُحدّد فيها مشكلة العملاء، ويُقدّم معها سيناريو يبيّن كيفية إسهام المنتج الجديد في التخفيف من المشكلة، أو حلّها، مع الأدلة والإثباتات التي تدعم سرد هذا السيناريو، وتلك النقطة قد غابت في حملات ترويج منتج هولمز؛ ونتيجة لذلك ستخضع إليزابيث للمحاكمة عام ٢٠٢٠م!

ما الذي حصل؟!

من منظور العلاقات العامة، شكّلت هولمز مرشحة مثالية لسردية مذهلة، فقصتها عن تركها لدراستها الجامعية في جامعة ستانفورد لتصبح أنثى ثوريّة في قطاع الرعاية الصحية كانت مبهرة لوسائل الإعلام، ولم يقم المستثمرون ولا الإعلاميون ببذل أي جهد للتحقق من مزاعمها الغامضة حول ابتكارها الثوري، كما تجاهلوا عن عمد التحذيرات منذ البداية.

ولعلك تتساءل: ما السردية الأنسب في قصة هولمز، والتي كانت ستحدث فرقًا في قصتها بلا هوة سحيقة؟

الدرس التي نخرج به من قضية إليزابيث هولمز -فيما يتعلق بالعلاقات العامة والاتصالات- هو أهمية التدقيق المكثف في الحقائق التي ستبنى عليها السردية الإعلامية؛ وذلك لتجنب خلق صورة بعيدة عن الواقع.

وبصفتنا متخصصين في العلاقات العامة والاتصالات نعمل مع عملائنا لاستكشاف ما يمكن وما لا يمكن القيام به، وهذا ما يشكّل الأساس الذي تقوم عليه كل استراتيجياتنا في حملات العلاقات العامة والاتصالات؛ إذ بمجرد أن يتم الكشف عن مزاعم خاطئة للعميل في الإعلام؛ فإن الضرر الذي يلحق بسمعة العميل يكون غير قابل للإصلاح.

ما رأيكم في المقولة المتداولة في أوساط العلاقات العامة بأنك (لن تحصل على فرصة ثانية لإحداث انطباع أولي جيّد)؟

TAGS

 

 

Default Comment (0) Facebook Comment ()

Your email address will not be published.

[wpdevart_facebook_comment curent_url="http://developers.facebook.com/docs/plugins/comments/" order_type="social" title_text_color="#000000" title_text_font_size="22" title_text_font_famely="monospace" title_text_position="left" width="100%" bg_color="#d4d4d4" animation_effect="random" count_of_comments="2" ]